نظم المجلس العلمي المحلي لإقليم خريبكة بتنسيق مع المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية والزاوية الشرقاوية ندوة علمية حول موضوع تجديد الخطاب الديني؛ يوم الخميس 05 أكتوبر 2017، بمناسبة انعقاد موسم الولي الصالح سيدي امحمد الشرقي، وتأتي هذه الندوة في سياق الأنشطة العلمية التي تواكب انقعاد هذا الموسم الديني السنوي.
في الجلسة الافتتاحية التي افتتحت بآيات بينات من الذكر الحكيم قدم السيد رئيس المجلس العلمي المحلي كلمة ترحيبية للحضور الكرام مشيرا إلى أن هذه الندوة تعتبر الصيغة او النسخة الرابعة للتعاون المبارك بين المجلس العلمي المحلي والزاوية الشرقاوية ؛ حيث شهدت السنوات الثلاثة الاخيرة تنظيم موائد مستديرة في نفس المناسبة المباركة وفي المدينة العامرة أبي الجعد مدينة العلم ومنارة التربية .
وقد شهدت هذه الندوة، التي حضرها رئيس المجلس الجماعي لأبي الجعد، نقيب الزاوية الشرقاوية، مندوب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، رئيس المجلس العلمي المحلي لخنيفرة، رئيس المجلس العلمي المحلي لبني ملال وعدد من الأساتذة والباحثين والمهتمين، تنظيم جلسة علمية ترأسها رئيس المجلس العلمي المحلي لإقليم خريبكة الذي قدم أرضية من خلال طرح السؤال القديم والراهن، قديم لأنه طرح منذ الصدمة الحضارية عند غزو نابليون لمصر وقد طرح بحدة عند شكيب ارسلان في كتابه لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم، أما راهنيته فتتجلى في كونه لا يزال مفتوحا ومطروحا امام التخلف الذي يعيشه المسلمون اليوم
قدم المداخلة الاولى الاستاذ الدكتور المصطفى زمهنى، رئيس المجلس العلمي المحلي لإقليم خنيفرة بعنوان “الخطاب الديني والتجديد : اي علاقة؟” وقبل ان يبسط القول في مداخلته اشار إلى ضرورة التمييز بين خطابين: الخطاب المنزل المتمثل في الوحي قرآنا وسنة صحيحة، والخطاب المنجز اي الذي انجزه البشر في تفاعلهم مع الوحي وانتج عطاءات واجتهادات بشرية نسبية أو ما اسماه بالتدين، والحديث عن التجديد إنما ينصرف إلى ما يتعلق بالخطاب المنجزوالمؤول، وليس النص المقدس أوالنص القطعي، لكنه استدرك على مقولة الأصوليين ” لا اجتهاد مع وجود النص” مشيرا إلى ضرورة الاجتهاد حتى وإن كان نصا قطعيا وذلك بالإجتهاد في تنزيله على الواقع، وبعد هذه الوقفة مع مفهوم الخطاب المقصود بالإجتهاد، حاول تقريب موضوع التجديد بمقاربة تأصيلية مستخلصا أن هذا المفهوم هو مفهوم ديني بدون منازع بحكم وروده في الحديث النبوي الذي رواه ابو داود وصححه الألباني “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” كما ان لفظة يبعث وردت في القرآن الكريم في حق الرسل يقول تعالى :” هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” الجمعة آية2.
فالتزكية والتعليم من مقاصد بعثة الرسل عليهم السلام وكلها تصب في قضية تجديد تدين الناس، هذا بالاضافة إلى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم اصحابه الاجتهاد واعمال العقل في النوازل والمستجدات، اما في الثراث الفقهي نجد ـ يقول الدكتور المتدخل ـ القول بالأشباه والنظائر، وفي اصول الفقه نجد القياس وهو عمل عقلي يبحث في العلة المشتركة بين الحكم الأصلي والحكم الفرعي، اما مصنفات العلماء فكلها دعوة صريحة للاجتهاد والتجديد بل إن السيوطي قال بوجوب الإجتهاد في مؤلفه ” كتاب الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الإجتهاد في كل عصر فرض”
غير أن تجديد الخطاب الديني ـ يرى الأستاذ المحاضر ـ أنه يستلزم إدراج التخصصات الأخرى لتحقيق التكامل وتفادي التقابل والتعارض بين العلوم ، فهو باختصار يدعو إلى تكامل الشريعة وخبراء العصر.
كما صنف الأستاذ الفاضل الإجتهاد إلى صنفين: الإجتهاد الإنتقائي والمتمثل في غربلة كل ما هو آت من الغرب، وانتقاء ماهو صالح من التراث لعصرنا وزماننا ، أما الاجتهاد الابداعي الإنشائي فيتمثل في الإجابة عن تحديات الواقع.
المداخلة الثانية فكانت بعنوان الخطاب الديني إمكانات ذاتية في التجديد من تقديم الأستاذ الدكتور سعيد شبار، رئيس المجلس العلمي المحلي بإقليم بني ملال، وطأ الاستاذ الدكتور مداخلته بسؤال إشكالي حول دورنا نحن وواجبنا ومسؤوليتنا نحن في عملية التجديد ؟ واعتبره امكانا ذاتيا قبل ان يكون خارجيا، لكنه وللاسف تعرض للتهريب والسطو والتشويش كغيره من المفاهيم ( مفهوم الإصلاح، والنهضة والإحياء ..) فلم تعد تعرف الدلالة الشرعية المرادة منها بالضبط ، بسبب بعض الطروحات الغير المنضبطة لمنهجية الدين في التجديد.
بعد ذلك عرج الاستاذ المحاضر لاشكال آخر والمتمثل في استعارة مناهج أو نماذج غربية للتجديد سواء في التربية أو التعليم أو الإدارة..
ثم أكد على أن التجديد إمكان داخلي لان القرآن الكريم كله خطاب تجديدي وتحفيزي ودعوة إلزامية للتدبروالتفكروالتعقل وإعمال النظر في الآيات المنصوصة وآيات الافاق والأنفس ، والانتكاس الذي تعرفه الامة يرجع إلى تجميد التجديد في هذه الايات ، واختزال وتضييق آيات القرآن الكريم في الاحكام التكليفية مع اهمال آيات العمران والعلم والمعرفة، باختصار لم نستثمر كل إمكانات القرآن الكريم في هداية الإنسان من أجل بناء العمران.
وقف الاستاذ المتدخل عند حديث النبي صلى الله عليه حديث المائة سنة مشيرا إلى ان المقصود منه تجديد تدين الناس ونشر الفهم الصحيح للدين، والعبرة في مائة سنة هي تجدد دورة الحضارة الذي يفرض تجددا في الدين لردم الفوارق الجيلية .
وفي لمحة رائعة اشار المتدخل إلى نوعين من الاجتهاد، اولهما اجتهاد المختص الذي ينظر في النصوص ومن شروطه أن يكون “من أهله وفي محله” واجتهاد العامي في الطاعة وفي طلب العلم ومعرفة أحكام الدين التي بها يجدد تدينه.
وفي ختام هذه المداخلة المتميزة وضح الاستاذ الفاضل حاجة التجديد إلى ثلاثة أنواع من الفقه، أولها فقه في النص اي معرفة مراد الله في نصه مجردا عن الزمن والمكان ، ثانيها فقه الواقع وكل معطياته التفصيلة وثالثها فقه التنزيل أو ما سماه
الاصوليون بتحقيق المناط ، اي تحقق شرط المناسبة في التنزيل وتصريف العلم في الواقع لتحقيق مصالح الناس وهو اصعب أنواع الفقه.
وفي ختام هاتين المداخلتين الماتعتين فتح باب النقاش للحضور، لتختتم اشغال الندوة بالدعاء الصالح لامير المؤمنين.